♥ يوسف السباعي ♥

♥أتدرون ما يحملنا على التعلق بالحياة ؟ أتعرفون ماذا يشدنا اليها ويخيفنا من الخروج منها. أنه شيء واحد: هو صلتنا بمن حولنا. هو حبهم لنا , وحبنا لهم ! اننا نكره ان نغادرها لأننا نخشى الم الفرقة ومرارتها   ♥   

Monday, December 1, 2008

التساهيل في نزع الهلاهيل "" د.زين عبد الهادي""

 

 

 

التساهيل في نزع الهلاهيل 

على الرغم من أن رواية "التساهيل في نزع الهلاهيل" هي الرواية الأولي في مسيرة الأديب والروائي زين عبد الهادي ألا أنها نشرت كرواية ثانية له، وتعد إضافة متميزة لمسيرته الإبداعية، لما لقته من صدى عند طرح الطبعة الثانية منها عن مؤسسة شمس  للنشر والأعلام .

والجدير بالذكر أن الرواية صدرت طبعتها الأولى عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2005 لتنفذ نسخها العشرة آلاف خلال عامين.

ونحن على مشارف 2009 بعد مرور ثمانية عشر عام على أن وضع زين عبد الهادي قلمه عن "سيد العبد" وعالمه، بطل الرواية وركيزتها الأساسية إلا أنه لا زال "سيد العبد" يثير العديد والكثير من التساؤلات ويلقي الضوء عليها داخل القارئ، وكان انعكاس ذلك واضح في المداخلات التي ألقاها لفيف من المثقفين والكتاب والإعلاميين الذين حضروا ندوة حفل توقيع ومناقشة الرواية بنقابة الصحفيين أمس 29\ 11 \ 2008

dr zein 022

وقد أدارت الندوة الروائية "نهى حماد" وناقش الرواية كلا من الناقد الأدبي د.حسام عقل والأديبة والناقدة الأدبية د.سمية رمضان

بدأت الندوة بفقرة غنائية لفرقة الورشة

dr zein 003-1

ثم بدأ الكلمة د. حسام عقل... ليلقي الضوء على افتتاحية الرواية والتي بدأت بسؤال يجري على لسان سيد العبد :هل طق عرق في نافوخي فجأة؛ فحوله لملايين الشظايا الضوئية المتناثرة،تدعوني للشتات والخروج بين يوم وليلة؟.

ليثير بداخلنا المزيد والكثير من الأسئلة دون أن يورط نفسه بإجاباتها، ولكن ليضع سيد العبد إجابة لسؤال البداية في الأسطر الأخيرة من آخر صفحات الرواية: "أدركتُ أن بإمكاني استعادة الكثير مما فقدت روحي، وأن الشظايا الضوئية التي انفجرت يمكن أن تتحد مرة أخرى لتصنع لي أحلاماً جديدة.

لتتمايز الرواية بنهايتها عن العديد من الروايات المصرية والإسرائيلية المستغرقة في اليوتوبيا السوداء.

dr zein 017-1

مشيرا د. حسام عقل... إلى أن لغة الروائي زين عبد الهادي ـ كما يفضل أن يطلق عليه دون لقبه الأكاديمي ـ لا تعتمد على كلاشيهات أدبية محفوظة.

مشيدا كذلك بثراء شخصيات الرواية وكيف تم نحتها بلغة روائية عالية، مبتعدا عن دبلوماسية تنتاب الكثير من الروائيين تصيبهم بحيادية حيال رسم الشخصية العربية وهو ما يحسب لقلمه، بيد أنه تمنى لو كان قلم "زين عبد الهادي" نحت شخصية "جاكي" الفلبينية بطريقته الروائية أكثر.

 

أعقبت كلمته الناقدة الأدبية والروائية د.سمية رمضان أستاذ الأدب بالمعهد العالي للنقد الفني، بداية بأن الرواية نجحت في إيجاد العديد من الأسئلة داخلنا وهو ما يحسب لقلم زين عبد الهادي وسط عديد من الروايات المطروحة اهتمامها الأكبر على حرفية اللغة والصنعة الفنية لتتركنا دون أي بصمة خاصة تذكر حين الانتهاء منها، وكانت د.سمية رمضان قد أثارت انتباه الحضور في بداية كلمتها، بارتدائها شعار "مواطن عالمي" والذي يعلو العلم المصري في لفتة منها بان الهوية الخاصة و الهوية العالمية لا تجب إحداهما الأخرى.

dr zein 033

لتطرح نهاية على د. زين عبد الهادي تساؤل حول لماذا يشعر سيد العبد بهذه الدونية لإنسانيته؟ وهل المواطن المصري يشعر بذلك؟..

ليشارك بعدها العديد من الحضور في طرح الأسئلة على د.زين... وتنتهي الاحتفالية الخاصة بأصدار الطبعة الثانية من رواية " التساهيل في نزع الهلاهيل".

ولأخرج من الندوة وبداخلي العديد من التساؤلات التي تعجبت لها...

*

أيجوز للبعض انتقاد أي نص روائي من خلال تصفح بضعة وريقات سريعة!!... هذا ما أثار دهشتي حقاً ليتركني أظن بأنه البعض يعجبه لفت الانتباه عن طريق النقد، لا نقد متخصص أو نقد من قارئ تذوق النص وتعايش مع شخصيات الرواية وأحداثها حتى أثارت بداخله تساؤلات ذات أهمية ما، وأراد من طرحها أن ينال فهما أوضح من كاتب الرواية. لكنه نقد من أراد الظهور!!.

*

ثم أعود متسائلة بحيرة شديدة كيف ربط البعض بين شخصيات "التساهيل في نزع الهلاهيل" والتي وضع عنها كاتبها القلم منذ ثمانية عشر سنة، ليسأله البعض بجدية شديدة عن إذا ما كانت شخصيات الرواية هي امتداد لشخصيات من رواية "دماء أبوللو" ـ وليس العكس ـ والتي صدرت عن "دار ميريت" ببدايات العام الحالي 2008 وستصدر الطبعة الثانية منها ب ديسمبر الحالي!!.

*

ثم أعود وأتعجب لماذا حمل البعض الكاتب ضرورة الرد على تساؤلات أثارت نفسها على لسان "سيد العبد"... وما أظن أن تلك الثقوب التي أخترقها سيد العبد بأدمغتنا إلا بداية ليجمع كلاً منا شظاياه الخاصة كما أدرك هو بأسطر الرواية الأخيرة. واسألني هل دور الروائي وضع إجابات أم يحسب له ألقاء ومضات من أسئلة تظل تبحث عن إجابة حتى بعد أن نغلق دفتي روايته؟.

*

مما أثار الاستياء حقا مقاطعة بعض الحضور للندوة أثناء إلقاء د. سمية لكلمتها، ودون طلب إذن لإفساح مجال الحديث!! وتجاهل لوجود الروائية "نهى حماد " التي تدير الندوة... لأتساءل هل سلوكياتنا تحتاج لبعض التنظيم وأن نجمع شظاياها كما فعل سيد العبد؟.

جروب رواية "" التساهيل في نزع الهلاهيل ""

 

Monday, July 28, 2008

قصة :: أنثى .. لإشعار لاحق

أنثى .. لإشعار لاحق

            

        -"آه يا ربي، لا تزل تلك الرغبة -بأيامي الأخيرة- تستعر بداخلي، كلما حدثت نفسي أنني قد وأدتها، تنبثق من غيمات عقلي، لتسطع بتجلي يلهب حرماني، لأجدني أختلس التمني بإطفاء نيرانها".

هكذا حدثت نفسها، و هي تحاول الابتعاد بحدقتيها عن ذا الصغير، لتقصيه عن ذراعيها مرغمة، حتى تمضي بعيداً.

ظلت لأيام طويلة صورته لا تمحى من خيالها المعذب، تتعطش يوماً بعد الآخر لأمان ذراعيه البضة الصغيرة، لهمهمته المتذمرة قبيل غفوته -مرغما بقيلولة الظهيرة-، لضجيجه المزعج حينما يهم بتصميمه على القيام بمغامرة ما يعلم مسبقاً رفضها لها.

بأسى تبسمت لتعترف فيما بينها و بين نفسها، بداية كيف كانت مرغمة على قبول استضافته المفاجأة، عندما طلبت منها ابنة العم راعيته لأيام قلائل -لا تتجاوز الأسبوع الواحد- حينها لم تستطع أمام نبرتها المتوسلة و حاجتها العسيرة لتلك الأجازة مع زوجها – بعد طول فترة من الخلافات التي كادت أن تودي بهما للانفصال- إلا أن تذعن لتوسلها الخجل.

هي لم تكن يوماً تهوى ملاعبة الصغار و لا تتقن وسيلة تفاهم وحيدة تدخلها عوالمهم، الخفية أساليبها عليها، اعترفت كثيراً لنفسها سراً بأنها قد لا تكون من الإناث اللاتي يتمتعن بحالة الأمومة الفطرية، لكنها كانت تظن بأنها ستغمر بها، يوم أن تهدى صغيراً ينتسب لرحمها.

تلك الأيام التي أمضتها مع الصغير، تركتها لتظن بان هناك الكثير الذي لم تزل لا تعلمه عن هذا الشوق، الذي كثيرا ما تعجبت عند سماعه من أفواه قريناتها، كانت تتعجب كيف أن كلاً منهن لا ترى بنفسها الأنثى، قدر الأم الأنثى!!.

لم تبد يوماً أعراضها علنا،ً لكن قناعتها ظلت بداخلها لا ترى غيرها، فلم تتصور نفسها الأم، قبيل الأنثى المتملكة لها.

تركها هذا الصغير حقاً بحيرة لم تصاب بها قبلاً، أعاد تشكيل أحلامها ليوجد لنفسه دروب لم تتطرق إليها.

لم تستشعر بيومها الأول سعادة بخضم فوضته و طاقته التي لم تستطع ملاحقتها، ليتركها ليلاً تلهث إرهاقا لم تعرف سبيله قبلا.

لا إنكار لحقيقة أن خوفها بداية نابع من المسئولية الملقاة على عاتقها في رعايته، و التي تعهدت بها حرجا و إشفاقا على ابنة العم، المنجرفة حياتها نحو منحنى لم تكن لتتصوره يوما، بعد حالة الحب التي توجها قرانها من زوجها، و والد صغيرها.

لكن بمرور اليوم الثالث وجدت اهتمامها بكيفية رعايته و إسعاده أكثر متعة و سعادة، متجاوزا ثقل المسئولية و المهمة الصعبة الشاعرة بها بداية.

بسنواته الأربع القلائل، ملأ فراغ عواطفها و أذاب جمودها الرصين، تصرخ عليه بجنون، تهدهده بحنان تناسته، تذاب معه فلا تمايز ما بين ذراعيه الصغيرين يحتضناها، و ذراعيها تغمره.

تذوي قواعد ساعاتها المنظمة بأيامها المرتبة، برتابة عهدتها، تتواتر أسبوعا تلو الآخر، لتجد قلبها يخفق هلعاً عليه، و ينبض فرحاً بسعادته البسيطة أمام قالب حلوى ظنت يوماً أنها لم تبرع بإعداده، و فوضى مثلجات خيل إليها أنها تمقت ملمسها على وجنتيها، بعدما ينهمر عليها بقبلات تحمل من المثلجات أكثر مما تحمل دفء شفتيه الدافئتين ببراءة لم تذقهما من قبل.

هي التي لم تجد لذة تذكر بمتابعة تلك الحلقات الكرتونية المملة ما بين كر و فر، قط و فأر -كما تعودت نعتها- لتجد لذتها بها و هي تنعم برنين ضحكاته المنطلقة برحابة طفولته.

و لم تكن يوماً تعي أهمية الألوان بحياتها، حتى زينت جدار غرفتها برسوماته الناعمة. 

ترك برحيله حقا -من بعد أيامه القلائل التي أمضاها معها- فوضى بأيامها لا تستطيع السيطرة عليها، و أحلام مستجدة على عالمها لم تعتبر لها يوما قدرا، أكثر من أماني مؤجلة ليست بالقصوى.

مضى لتستيقظ بها الأم الأنثى، ليدعها لحيرة تتقاذف قناعتها فلا تدرك من هي حقا، فلا تستطع العودة للأنثى و تؤجل الأم لإشعار لاحق. أيام طويلة تتواتر عليها، تدعي عدم اهتمامها، و صلابة رأيها تستعيدها بعودة واجباتها المعتادة و أحلامها المرتبة بتحديد مسبق.

لتعود بيوم من زيارته، فتتناول ورقة و قلم و تخط عليها كلماتها

" مطلوب زوج

سن مناسب .. يقدر الحياة الزوجية

يشترط رغبة أكيدة بالاستقرار و إقامة أسرة

أذا كنت جادا فقط .. رجاء الاتصال على هاتف رقم: . . . . . . . ''

 

 

 

 

Thursday, July 3, 2008

:: قصة :: صغيرها

صغيرها

 

 

رغماً عنها تبسمت متذكرة كلماته الأخيرة، يوم أن هاتفها خلسة، فلم تصدق أذنيها ..

- صغيري كيفك؟! أستوحشتك كثيراً.

ملأت ضحكته المتزمرة أذنيها ..

- ألازلت صغيرك!! .

بلهفةٍ حنونة .. أجابته ..

- نعم .. و ستظل صغيري دائماً.

 

أنفلتت تنهيدتها، رغماً عنها، والدموع تزاحمت بمقلتيها، لكنها تحجرت، فلم يعد لها قدرة البكاء أكثر، لقد قطعت عهداً على نفسها، ألا تذرف دمعها بعد اليوم، الى أن يعود أليها طفلها، و تحتضنه ذراعيها.

جافاها النوم حتى أشراقة الصباح الأولى، يأست في أن تحتال عليه و لم تجد له سبيلاً، فلم تستطع أن تغفو، و لا أن تبعد فكرها عنه .. نهاية .. ضاع منها كل أمل في أن تهنأ بأغفاءة قصيرة، نهضت بتراخي و أستسلام من مخدعها، و أتجهت لموقدها لعلها تحضر فنجان من القهوة التركية .. تدمن منذ زمان بعيد، ذلك الطقس العجيب، حتى تنام منعمة بأستغراق، في رحلة من هدوءٍ مؤقتة، مما يشغل فكرها.

تعجبت كيف كانت لسنوات طويلة، لا تجد لنفسها بضع ساعات، و تتحايل على الوقت لعلها تنال قليلاً من الراحة .. مبتعدة خلسة عن كل ما يدور حولها، لا يوقظها إلا بكاء صغيرها، و هتافه ليعيدها أليه مرة أخرى، متعجلاً غفوتها المسروقة.

تتابع نضج قهوتها، وكلمات صغيرها لا زالت تشغلها، كان محرجاً منها و هو يسوق لها أعذاره ..

- لقد تأخرت بمهاتفتك رغماً عني .. لم أستطع حقاً قبل الآن ..

قاطعته بهدوء، سريعاً وكلماتها تنهي عنه حرجه :

- نعم .. أعلم ظروفك القاسية، وأنك لا تجد الوقت الكافي للراحة، ودوامة العمل التي لا ترحمك، ودراستك المستهلكة لكل وقت راحتك، لا تبتأس .. لازلت بخير، و كل أحوالي على ما يرام، لا ينقصني سوا أن أغمرك بذراعي، و أطمئن عليك، متى سأراك؟.

صمت للحظة .. أنبأتها بما سيسوقه أليها .. متلجلجاً كما تعودت منه، كلما أراد أن يزف لها خبراً ما، يعلم جيداً إنه سيصدمها، فلا تزل تراه صغيراً يدنو منها، بتردد و إرتباك، ليخبرها عن أمر ما، يعلم إنه سيسوئها سماعه. خاصة خلال دراسته .. كان يعلم إنها لا يحزنها أمر، قدر تدني درجاته بأحدى الأختبارات.

لم يكن يعنيها من الحياة شيئاً، قدر أن تأمن له قسط من التعليم، أكثر مما أستطاعت أن تهبه من رفاهية الحياة. أحلامها جميعاً لم تحيد عن أن تراه يوماً ما أكثر علماً و مكانة إجتماعية عن كل أخوته و عائلته.

تلك العائلة التي تنصلت منهما، بيوم وفاة والده، و هؤلاء الأخوة الذين لم يتوانوا للحظة، في سلب حقوقه، و شن حرب عليهما، بكل السبل، حتى ينكروه أخاً لهم، فلا يكون وصمة العار عليهم. فبعد أن فرضها أباهم بزواجه منها، رغماً عن أرادتهم، زادت الأمر سوءاً، بإنجابها له .. كأعلانٍ دائم عن ذلك الزواج بحياة والدهم و بعد مماتهِ. قاطعت همهماته غير المفهومة .. التي تعودت عليها، كلما أراد التهرب من أنفلات كلماتها، الحزينة، الممتزجة بدموعها.

قالت متعجلة بخوف مترقب، من سماع ما تخشاه :

- اذن لم تستطع ان تحصل على إجازة؟! .. أليس كذلك؟.

زفر بإرتياح، و كأن هماً أزيح عن كاهله، زفرة لا صوت لها يسمع، لكن قلبها ألتقطها دون أذنيها، كما تعودت دوماً، منذ ان لفظه رحمها للحياة. قال بأستكانة، و راحة، لا تخفى عليها، رغم بذله جهدا حثيثاً - ليس لي حيلة، لا أستطيع سوى أن أحصل على بضعة أيام قلائل، و لا أظنها تلك الإجازة التي حلمنا بها، لنعوض سنين الفراق الماضية ! لذلك سأستغلها فى الراحة من إجهاد الدراسة و العمل، على وعدٍ منهم، بأني سأحصل على عطلة قريباً جداً .. .

قالت :

- و متى هذا القريب جداً .. بعد سنة؟! .

قال متداركاً الأمر سريعاً :

- لا .. لا .. إنه في خلال أشهر قليلة كما وعدوني .. و أظن هذه المرة، لن ينكثوا. فلقد طال بي الإنتظار، و حتماً سيضعون ذلك بإعتبارهم ..

قالت تقاطعه:

- فتعود لتقول لي .. العطلة بوقتٍ غير مناسب مع دراستك ؟! .. لأنتظر سنة أخرى؟! .. لقد تعبت يا صغيري ببعدك .. لم أعد أقوى على الأنتظار أكثر .. أريد أن أحتضنك بين ذراعي، لأغفو مطمئنة، بأني قد رأيتك رجلاً، يستحق أن يفخر بكَ، كل من أنكروك يوماً .. أحلم بأني قد أطفأت لهيب حنيني إليك .. و أنك قد عدت لذراعي، حيث تنتمي .. و ..

قال سريعاً .. يقاطعها :

- أمي .. تمهلي .. كل الأمور ستكون بخير .. و لقد وعدوني .. لن أستطيع أن أحدثك أكثر من هذا .. أزف موعدي لأجتماعٍ هام .. سنتحدث يوماً آخر .. الى لقاء .. .

 

نحت قهوتها بعيداً عن نيرانها .. و إبتسامة مستسلمة لا تفارقها، و هي تحاول أن تتذكر متى كان موعد هذا الإجتماع الهام، الذى أختطف منها صوت صغيرها!!.

أو لعلها حاولت أن تدعي، أنها لا تتذكر جيداً، كل يومٍ و ساعةٍ مرت خلال الشهر الأخير المنصرم منذ آخر إتصالٍ جمعهما. أتجهت لغرفة صغيرها، آخذة فنجان قهوتها التركية، ترتشفها ببطءٍ متمهل، تتطلع بتلك الجدران الغالية، التى ضمت يوماً، أعز ما لديها.

بسكينةٍ طال جلوسها على مقعدها،الذى أعتادت أن تقضي عليه الساعات الطويلة، تتابع صغيرها يستذكر دروسه حتى لا يشعر بالوحدة و السقم لطول الساعات.

لم تكن تستطيع مساعدته بأكثر من ذلك .. كانت دراسته بتلك اللغة الأجنبية تصعب عليها متابعته جيداً .. بعد أن إجتاز مرحلته الأبتدائية. تتذكر كيف رأته هنا، على هذا المكتب، يتحول من طفلا صغيرا، لشاباً يافعاً. كم سهرت معه، لساعات الصباح الأولى تقرأ كتاباً ما، و هو يجتهد بدراسته، ليصبح طبيباً نابغاً، كما كان والده ، فتؤهله نجاحاته ليكمل دراسته بالخارج.

و هي تحيا على أملٍ بأن يعود لها يوماً ما، ليملأ دنياها برؤية نجاحاتهِ .. و منزلهما بصغارهِ، فتسعد بلهوهم و مزحاتهم و تتندر بها كما كانت تتندر بصغيرها.

لكن الشهور تمر، و السنوات تنفرط .. و الصغير لم يعد!! .. و كل عام يسوق سببٍ مختلف! .. و كلما أنهى دراسة بدأ في الآخرى .. و نجاحاته تكبر و تكبر .. و العمر يمر منها و يبعده عنها .. و قلبها يشيخ .. و أحلامها تهرم في غيابه. تخدعها دموعها و تنهمر بغزارة مرة أكثر من فنجان قهوتها .. فتغرق بدموعها حتى النفس الأخير المنقطع منها.

تمت بحمد الله

 

 

Saturday, October 13, 2007

:: بوح ::



أحياناً نحتاج لأن نفرغ سر أحزان طويت قلوبنا عليها ..


نبوح بأنات موجعة تقتلنا دون أن يسمع أنينها من يحيطوا بنا ، متصورين أنهم الأقرب ..


نتكلم عن أوجاع خبيئة صدورنا .. نروى خيباتنا المستترة .. و ننبش رفات الحكايات التى دفنت بظلام دامس ..


من ذا الذى لا تتصارع داخله نوازع الأحتياج للبوح .. محاولة الأنطلاق بعيداً ..


لكن قد لا نجد من حولنا من يستطيع فهم نعمة البوح .. و كأن الحديث عن مشاعرنا الكامنة و حزننا المستتر هو محض ضعف و أستعذاب للحزن .. و قد نوصم بالأصابة بحالة من الأكتئاب المستفحل ..


فلا نستطيع أن نمارس نعمة البوح خوفاً .. و تظل أحزاننا حبيسة .. و الأنين يدوي بصمت مؤلم بدواخلنا


و لا ندرك أن البوح يلقي عن كواهلنا الكثير .. و الجهر بالأنين ليس أكتئاب .. فالحديث عن الحزن مباح


نحن لم ندمن الحزن الا لأننا تعودنا على الخفاء .. لم يميتنا الأنين صمتاً ألا لتعودنا عليه همس حبيس بالقلوب


من ذا الذى يدري أن أقرب الاعزاء لقلبه يموت بجانبه صمتاً دون أن يعي أنه بحاجة للبوح !!!!! .